الحمد لله سبحانه..
عدد ما سبّحت له الرمال.. وسجدت له الظلال، وتدكدكت من هيبته الجبال.. عدد كل لمحة وطرفَة ونَفَس... والصلاة والسلام على سفيره بينه وبين خلقه.. رحمته للعالمين.. وحجته على العابدين.. صلاةً وسلاماً دائمين حتى يجمعنا الله به، وبعد:
فعلى كل مؤمن في طريقه الطويل إلى الله.. أن بتفقد إيمانه بين الآونة والأخرى.. فإن الإيمان يزيد وينقص.. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.. وينعدم ببعض ما حذر منه ربك.. ونهاك عنه نبيك .. وما أجدرنا في هذا الزمان الذي يصبح فيه الرجل مؤمناً ويمسي كافراً.. أن نتدبر ونحذر.. ونتفقد إيماننا بين الحين. والحين. إذ لم ييأس الشيطان من الدخول على كل مؤمن من مداخل قد تخفى لإفساد دينه ونزع تقواه.. ومما يزيد المؤمن التقي ؛ الورع ؛ خوفاً.. أن تسمع حديث نبيك كما جاء في صحيح مسلم حيث يقول
: { إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم }.
لقد أعد الشيطان أيها المؤمن هذه المصيدة الخاصة لأهل الايمان في جزيرة العرب، ليصل إلى إفساد قلوبهم وإيمانهم.. فإياك أن تكون ممن اشتعل بالصلاة والصيام وغفل عن قلبه وتنقيته مما به من فساد أو غش لأحد من المسلمين.. فقد نادى نبيك بأن هذه هي الكارثة التي تودي بالدين إلى غير رجعة.. استمع إليه حيث يقول:
{ ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ } قالوا: بلى: قال:
{ إصلاح ذات البين.. فإن فساد ذات البين هي الحالقة.. لا أقول تحلق الشعر.. ولكن تحلق الدين } [رواه الترمذي].
أرأيت أيها المؤمن.. تحلق الدين، أي: تزيله. فعليك أيها المؤمن بنداء ربك: "فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" [الأنفال:1].
وعليك أيها المؤمن بالدعاء.. فاتجه إلى ربك دوماً أن يمسح من قلبك الغل على أي من أخواتك في الإيمان.. واجعل لسانك رطباً بهذه الدعوة التي دعا بها المؤمنون قبلك "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" [الحشر:10].
أيها المؤمن: إنه لمما يدمي قلب كل مؤمن.. أن يرى إخوانه المسلمين في أي مكان.. متباغضين متنافرين متعادين، مع أن نبيهم أوصاهم فقال:
{ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً } ، فانقلبوا كأنهم سمعوها المؤمن للمؤمن كالثعبان يلدغ بعضه بعضاً..!! فترى الدسائس والفتن.. والغيبة والنميمة قد استشرت فيهم.. غافلين عما وصفهم به نبيهم فقال:
{ مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد.. إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } [رواه البخاري]..
فإياك أن تُخرج نفسك من دائرة المؤمنين.. وأملئ قلبك منذ الساعة لكل من آخاك في هذا الايمان، وداً وتعاطفاً ورحمة.. ولا تحمل في قلبك سوى ذلك لأي من إخوانك في الله.
أيها المؤمن: لقد جاء عن نبيك حديث يجب أن نتوقف عنده طويلاً.. روى البخاري في صحيحه عن النبي أنه قال :
{ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم.. من قبل ألا يكون دينار ولا درهم.. إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته.. وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فَحُمل عليه }.
انظر أيها المؤمن.. إلى قوله :
{ من عرْض أو من شيء } إن كلمة { شيء } هذه تشمل أي شيء وكل شيء سواء كان حركة أو لفتة أو لمزة أو غمزة فيها تعريض بأي مسلم.. فتصبح له مظلمة عندك يطالبك بها يوم القيامة..
فإياك أيها المؤمن فان الثمن باهظ حقاً.. وإنها لنهاية مؤلمة حقاً.. فرب كلمة آذت أخاً لك في الله. أو أخت لك في الله . كانت عندك هينة.. ولكنها عند الله عظيمة.. ورب حركة أسأت بها لأخت لك مؤمنة.. أو أخ مؤمن كان ثمنها ما أجهدت نفسك فيه من الحسنات.. توزعها على أصحاب المظالم والحقوق في يوم أنت أحوجُ ما تكون إليها.. ثم ماذا؟ ثم إلى النار.. وما تود ذلك المصير الأليم. طبعا !!!..اعاذنا الله واياكم ؛؛؛ اسماعيل بدر اسماعيل