مصطفى محمود هو مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، من الأشراف، ينتهي نسبه إلى عليّ زين العابدين –- ولد عام 1921، وكان توأما لأخ توفي في نفس العام، مفكر وطبيب وكاتب وأديب مصري من مواليد شبين الكوم -المنوفية مصر 1921) توفي والده عام 1939 بعد سنوات من الشلل ،درس الطب وتخرج عام1953 و لكنه تفرغ للكتابة و البحث عام 1960 تزوج عام 1961 و انتهى الزواج بالطلاق عام 1973 رزق بولدين "أمل" و "أدهم". وتزوج ثانية عام 1983 وانتهى هذا الزواج أيضا بالطلاق عام 1987
وقد ألف 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات،ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة .
قدم الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان) وأنشأ عام 1979 مسجده في القاهرة المعروف بـ "مسجد مصطفى محمود" ويتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظرا لسمعتها الطبية، وشكل قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا، ويضم المركز أربعة مراصد فلكية ، ومتحفا للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية
مسجد مصطفى محمود مسجد بناه الأديب المصري مصطفى محمود في عام 1979 يقع في منتصف شارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين بالجيزة, والمسجد من الحجم المتوسط من حيث المساحة، وقد أكتسب أهميته من كم التبرعات المالية والعينية التى يقدمها للفقراء, إضافة إلى العيادة الملحقة بالمسجد والتى تقدم الخدمات الطبية في متناول الجميع وعلى درجة عالية من الكفاءة, وكذلك مشروع الأطعام الخيري المسمى (مائدة الرحمن) والتى تقدم الطعام إلى عابرى السبيل والفقراء في شهر رمضان.
ويضم المسجد أيضا ثلاث مراكز طبية ومستشفى تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظرا لسمعتها الطبية الجيدة، و قوافل طبية تتكون من 16 طبيبًا، وبالمركز أربعة مراصد فلكية، ومتحف للجيولوجيا، ويضم أساتذةً يعطون دروسًا فيالفلك، الأساس فيها النظر والتفكر في السماء والأرض كجزء من العبادة. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعضالكائنات البحرية.
تاريخه الفكري
برع الدكتور مصطفى محمود في فنون عديدة منها الفكر والأدب، والفلسفة والتصوف، وأحيانا ما تثير أفكاره ومقالاته جدلا واسعا عبر الصحف ووسائل الإعلام. قال عنه الشاعر الراحل "كامل الشناوي": ”إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث في الأديان بدء بالديانات السماوية وانتهاء بالأديان الأرضية ولم يجد في النهاية سوى القرآن الكريم“.
الصحافة لا الطب
عاش مصطفى محمود في مدينة طنطا بجوار مسجد "السيد البدوي" الشهير الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر؛ مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته.
بدأ حياته متفوقًا في الدراسة، حتى ضربه مدرس اللغة العربية؛ فغضب وانقطع عن الدراسة مدة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة.وفي منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتُهر بـ"المشرحجي"، نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما.
مصطفى محمود في المرصد
تخرج مصطفى محمود في كلية الطب متفوقًا، وعلى الرغم من احترافه الطب متخصصًا في جراحة المخ والأعصاب، فإنه كان نابغًا في الأدب منذ كان طالبًا، وكانت تنشر له القصص القصيرة في مجلة "روز اليوسف"، وقد عمل بها لفترة عقب تخرجه، مما دفعه لاحتراف الكتابة، وعندما أصدر الرئيس عبد الناصر قرارًا بمنع الجمع بين وظيفتين، كان مصطفى محمود وقتها يجمع بين عضوية نقابتي الأطباء والصحافيين، ولذا قرر الاستغناء عن عضوية نقابة الأطباء، وحرمان نفسه من ممارسة المهنة إلى الأبد، مفضلا الانتماء إلى نقابة الصحفيين، والعمل كأديب ومفكر. وعندما سئل ماذا يملك الطبيب من إمكانات تشجعه على أن يكون أديبًا وفنانًا؟ أجاب بأن ”للطب علاقة وثيقة بالحياة وأسرارها وخفاياها، فالطبيب هو الوحيد الذي يحضر لحظة الميلاد ولحظة الموت، وهو الذي يضع يده على القلب ويعرف أسرار نبضه، وكل الناس يخلعون ثيابهم وأسرارهم، بين يدي الطبيب، فهو الوحيد الذي يباشر الحياة عارية من جميع أقنعتها، وبما أن الطب علم، والأدب علم، فالتكامل في الحياة البشرية قضى بأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر، يعني الطب والأدب، وكذلك الطبيب والأديب
ثلاثون عاماًمن الغرق
في عنفوان شبابه كان تيار المادية هو السائد، وكان المثقفون يرفضون الغيبيات، فكان من الطبيعي أن يتأثر مصطفى محمود بما حوله، ولذلك كما يقول في أحد كتبه: ”احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين“. وبالرغم من اعتقاد الكثيرين بأن مصطفى محمود أنكر وجود الله عز وجل، فإن المشكلة الفلسفية الحقيقية التي كان يبحث عنها هي مشكلة الدين والحضارة، أو العلم والإيمان، وما بينهما من صراع متبادل أو تجاذب؛ ففي كتابه "رحلتي من الشك إلى الإيمان" ترجم لحياته الروحية قائلاً: ”إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح، وإعجابي بموهبة الكلام ومقارنة الحجج التي تفردت بها، كان هو الحافز، وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب، لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة“. وقد اقترب مصطفى محمود في ذلك من الإمام الغزالي -رحمه الله- وما ذهب إليه في كتابه "المنقذ من الضلال"، إذ يقول فيه: ”كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبي وديدني، من أول أمري وريعان عمري، غريزة وفطرة من الله وُضعتا في جبلتي،لا باختياري وحيلتي، حتى انحلت عني رابطة التقليد، وانكسرت عليّ العقائد الموروثة على قرب عهد الصبا“.
هاتف اليقين
ومع هذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلة مصطفى محمود في عالم العقيدة. وعلى الرغم من هذه الأرضية المادية التي انطلق منها؛ فإنه لم يستطع أن ينفي وجود القوة الإلهية، فيقول: ”تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون، التي تنظمه في منظومات جميلة، من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات، هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي الـ"بروتوبلازم" وفي الأفلاك، هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء“. وكما حدثنا الغزالي عن الأشهر الستة التي قضاها مريضًا يعاني آلام الشك، حتى هتف به هاتف باطني أعاده إلى يقين الحقيقة العقلية، وكشف له بهاء الحرية الروحية، ومكنه من معرفة الله؛ نجد مصطفى محمود يتحدث عن صوت الفطرة الذي حرره من سطوة العلم، وأعفاه من عناء الجدل، وقاده إلى معرفة الله، وكان ذلك بعد أن تعلم، في كتب الطب أن النظرة العلمية هي الأساس الذي لا أساس سواه، وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي، وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين.
في فترة الشباب
وهكذا كانت رحلته من الشك إلى اليقين تمهيدًا لفض الاشتباك بين العلم والإيمان، وذلك عن طريق علوّ الإنسان بالمادة إلى ما هو أبعد أفقًا وأرحب مدًى. ويبدو أن هذا الأمر وراء أن يوقف جزءا كبيرا من حياته في مشروع واحد اسمه "العلم والإيمان"، سرد مراحل هذا المشروع من خلال 8 كتب، وحينما جاءته فكرة البرنامج كان تنفيذها على أرض الواقع غاية في الصعوبة، فقد عرضها على التليفزيون المصري فاعتمدوا له 30 جنيها مصريًا فقط للحلقة الواحدة! في حين أن البرنامج كان يستلزم السفر للخارج ومتابعة آخر الأبحاث، ولذا بدأ اليأس يتسرب إلى نفسه، حتى قابل رجل أعمال شهير، فحدثه في أمر البرنامج، فإذا به يخرج دفتر الشيكات، قائلا له: "لن أناقشك في النفقات، ولكن المهم خروج هذا العمل العلمي والديني إلى النور". ولاقى البرنامج نجاحًا كبيرًا، واجتذب جماهير كثيرة نظرًا لأسلوبه الذي جذب به قلوب وعقول البسطاء قبل العلماء، ولكن على الرغم من ذلك النجاح، فوجئ الدكتور محمود –بعد سنوات- بإبعاد هذا البرنامج الجماهيري عن خريطة التليفزيون المصري دون إبداء الأسباب. سار مصطفى محمود على درب المفكر والأديب عباس محمود العقاد ليؤكد أن الإسلام منهج ليس من فكره الصراعُ الطبقي، بل يهدف إلى التوازن بين الفرد والمجموع، وليس إلى تذويب الأفراد في المجموع كما في الاشتراكية، ولا إلى التضحية بالمجموع لصالح قلة من الأفراد كما في الفكر الرأسمالي. وأوضح أن الأيديولوجية الإسلامية تعمل على إشباع الحاجات الروحية للإنسان، وليس المادية فقط، فالمسلم حينما يتصدق أو يزكي فهو يتعامل مع الله، لما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وهذا -عند مصطفى محمود- ما يعطى للمنهج الإسلامي خصوصية وسموًا في الهدف، إذ يشعر المسلم برقابة من الله ورقابة من الضمير، وعلى ذلك فالصبغة الروحية للنشاط الاقتصادي شرط من شروط الإسلام، فليس في الإسلام انفصال بين ما هو روحي وما هو مادي.
تصوير الأفكار
انطلاقًا من بحثه عن الحقيقة وإشباعًا لشغفه بالنفس الإنسانية وبحثه عن المجهول، تميز مصطفى محمود بفن قصصي خاص، فبإمكاناته الفنية جمع بين إحساس الأديب وإدراك الفيلسوف ومزج هذين البعدين بأسلوب عصري فيه عمق الفكرة ودفء العبارة، فيه البصر الذي يوحي بالبصيرة، والمادي الذي يؤدي إلى المعنوي، والعبارة التي تلتقي بالرؤية كأروع ما يكون اللقاء، وكما وصفه جلال العشري في كتابه "مصطفى محمود شاهد على عصره" فهو ”يتعاطى الأشياء بعقله، ثم يعيها بوجدانه ثم يجسدها بقلمه، فإذا هي مسرحية أو رواية أو قصة قصيرة، فإذا هي قطعة من الواقع وشريحة من الحياة، أو هي بنية حية فيها دسم الواقع ونبض الحياة، فنه القصصي غير قابل للتمذهب، استطاع أن يفلسف حياته ويحيا فلسفته، وأن يتخذ من أزماته النفسية الحادة وزلازله الباطنية العنيفة وتجاربه الحية وخبراته الوجدانية مادة لأدبه“. حملت رواياته كثيرًا من التناقضات، لكنه التناقض الحيّ الذي يعبر عن تلك العملية الروحية الشاقة التي يبذلها الفنان لاستجلاء معنى الوجود، فلم يتجه في قصصه إلى تصوير نماذج كلاسيكية من الشخصيات، وإنما اتجه إلى تصوير أفكار في مواقف تحس وتتحرك وتطور من نفسها، فالشخصيات عنده وعاء للفكرة والقضية. والسؤال المحوري في قصصه القصيرة هو مشكلة تعالي الإنسان على ذاته وعلى ذوات الآخرين، أما في رواياته فكان المشكل هو: إلى أين يريد الإنسان أن يصل؟ وألاّ يؤدى هذا العلُوّ على كل شيء إلى اللاشيء؟ وما هي المستحيلات التي لابد أن يواجهها؟ وهذه المستحيلات عنده هي: الإنسان، المجتمع، الزمن، التاريخ، وروح العصر. ويبرز ذلك الفكر في رواياته: "المستحيل" و"الأفيون" و"العنكبوت" و"الخروج من التابوت" و"رجل تحت الصفر"، ذلك هو المنهج الفلسفي الذي بنى رواياته عليه، أما واقعية رواياته فهي المادة الحية التي يغترف منها أحداثه وشخصياته، إنه الواقع الأوسع أفقًا، الذي يمتد ليشمل كل معاني الحياة التي هي أشمل من المجتمع.
معارك فكرية
دخل مصطفى محمود في حياته عدة معارك، ووجهت إليه عدة اتهامات، أهمها: • اتهام منتقديه له بأن مواقفه السياسية متضاربة، تصل إلى حد التناقض في بعض المواقف، إلا أنه لا يرى ذلك، ويؤكد أنه ليس في موضع اتهام، وأنّ اعترافه بأنه كان على غير صواب في بعض مراحل حياته هو ضرب من ضروب الشجاعة والقدرة على نقد الذات، وهذا شيء يفتقر إليه الكثيرون ممن يصابون بالجحود والغرور، مما يصل بهم إلى عدم القدرة على مواجهة أنفسهم والاعتراف بأخطائهم. • اتهامه بالكفر في نهاية الستينيات بعد سلسلة من المقالات، وصدور كتابه "الله والإنسان" الذي تمت مصادرته وتقديمه بعدها للمحاكمة التي طلبها الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه، بناءً على تصريح الأزهر، باعتبارها قضية كفر، وقد اكتفت لجنة المحاكمة وقتها بمصادرة الكتاب دون حيثيات، وإن كان الأمر انعكس في عهد الرئيس أنور السادات، فقد أبلغه إعجابه بالكتاب، وطلب منه طبعه مرة أخرى، ولكنه استبدل به كتاب "حوار مع صديقي الملحد"، لتتوطد بعدها علاقته بالرئيس السادات .
يذكر أن الرئيس السادات كلفه بمهام إحدى الوزارات فاعتذر قائلاً: "أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي زواجي، فقد كنت مطلقًا لمرتين، فأنا أرفض السلطة بكل أشكالها". • اشتهر بهجومه المتواصل على الصهيونية، ورأيه بأن اليهود وراء هذه الشبكة الأخطبوطية للفساد والإفساد في العالم كله، مما تسبب في لزوم حارس بباب منزله منذ سنوات، بتكليف من وزارة الداخلية، لحراسته بعد التهديدات التي تلقاها، أو لعزله عن الحياة العامة كما رأى البعض!. • نشر في مقالاته أفكارًا كثيرة كانت مثار جدل بين المثقفين، كدعوته إلى علم النفس القرآني، ويقصد به محاولة فهم النفس فهمًا جديدًا مؤسسًا على القرآن والسنة، وهي بمثابة محاولة للخروج بعلم نفس إسلامي جديد، ومثل تنبُئه بسقوط الحضارة الغربية وانهيار الرأسمالية وتوابعها دون أن يطلق المسلمون رصاصة واحدة، بسبب الترف والتخمة وعبادة الشهوات والغرق في الملذات، كحضارات كثيرة ذكرها لنا التاريخ. • وتأتي الأزمة الشهيرة المعروفة باسم "أزمة كتاب الشفاعة" والتي وقعت عام 2000م لتثير الكثير من الجدل حوله وحول أفكاره، وتتلخص فكرة الكتاب في أن الشفاعة التي سوف يشفع بها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته، لا يمكن أن تكون على الصورة التي نعتقدها نحن المسلمون، ويروِّج لها علماء وفقهاء الشريعة !! إذْ الشفاعة بهذه الصورة تمثل دعوة صريحة للتواكل الممقوت شرعًا، وتدفع المسلمين إلى الركون إلى وهم حصانة الشفاعة، التي ستتحقق بمجرد شفاعة الرسول عليه الصلاة واالسلام.
وعليه ظهر مصطفى محمود وكأنه منكر لوجود الشفاعة من أساسها!! وانفجرت الردود في وجهه من جميع الاتجاهات حتى تجاوزت (14) كتابًا أهمها كتاب الدكتور محمد فؤاد شاكر، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة عين شمس، وقد رد على إنكار الشفاعة ردًا مفحمًا وقاسيًا للغاية.
وحاول مصطفى محمود الصمود والانتصار لفكره، خاصة أنه لم يكن يقصد إساءة للدين الذي قضى جل عمره حاملاً راية الدفاع عنه، ودافع عن تصرفه بحرية الفكر والرد والاعتراف بالخطأ، إلا أن هذه الأزمة مع كبر سنه وضعف صحته أدت إلى اعتزاله الحياة الاجتماعية، فامتنع عن الكتابة إلا من مقالات بسيطة في مجلة الشباب، وجريدة الأخبار. ثم أصيب عام 2003 بجلطة في المخ أثرت على الحركة والكلام، ولكن مع العلاج تحسنت حالته الصحية، واستعاد القدرة على الحركة والنطق مرة أخرى، واستمر في عزلته مع رفيقه الوحيد: الكتاب.
وفي أحد حواراته اعتبر حياته هجرة مستمرة نحو إدراك الحياة والبحث عن الحقيقة، وكل كتاب قام بتأليفه هو محطة على طريق هذا السفر الطويل، وعلى الرغم من ذلك فهو يقول إنه مازال في بداية الطريق، وكل ما كتبه يعد في نظره بعيدا جدًا عن أحلامه، وبالتالي ابتعاده عن الحياة الاجتماعية لا يعني أنه أنجز المهمة، ولكنه يعترف بالضعف البشري.
كان مصطفى محمود يحتفظ لنفسه بنظام صارم في حياته، قائم على الزهد في الحياة والتأمل فيها، وهو دائمًا يقرأ كل شيء سواء أكان تفسيرا أم نقدا ولا يلفت نظره اسم الكاتب فالمهم عنده موضوع الكتاب، حياته كلها كانت قراءة لدرجة أن ابنته "أمل" تقول إنهم كانوا يظنون أنه غير موجود في المنزل بسبب اعتكافه على الكتب الساعات الطوال، وازداد حبه للقراءة بعدما اعتزل التأليف بكل أنواعه، وكان لا يشاهد التلفاز إلا لمتابعة الأخبار، وأصبحت عبارة "شيء مؤسف" تعليقه الوحيد على معظم ما يراه، وكان ميّالا إلى العزلة ويعترف بأنه فقد ملكة الابتكار.
خادم كلمة التوحيد
كتب الدكتور مصطفى محمود بعد فشل زواجه الثاني مقالا شهيرا يلخص فيه رؤيته للحياة يقول: ”قررت بعد الفشل الثاني أن أعطي نفسي لرسالتي وهدفي كداعية إسلامي ومؤلف وكاتب وأديب ومفكر. وقد اقتنعت تماما بأن هذا قدري، ورضيت به. ومنذ هذا الحين وأنا أعيش في جناح صغير بمسجدي بالمركز الإسلامي. أغرق وحدتي في العمل وتعودت أن أعطي ظهري لكل حقد أو حسد ولا أضيع وقتي في الاشتباك مع هذه الأشياء وأفضل أن أتجنبها وأتجنب أصحابها حتى لا أبدد طاقتي في ما لا جدوى وراءه.. انتصاراتي على نفسي هي أهم انتصارات في حياتي.. وكانت دائما بفضل الله وبالقوة التي أمدني بها وبالبصيرة والنور الذي نور به طريقي“.
وبعد رحلة العمر استطاع مصطفى محمود تحديد هويته أخيرًا، إذ يقول: ”.. ولو سئلت بعد هذا المشوار الطويل من أكون؟! هل أنا الأديب القصاص أو المسرحي أوالفنان أو الطبيب؟ لقلت: كل ما أريده أن أكون مجرد خادم لكلمة لا إله إلا الله، وأن أكون بحياتي وبعلمي دالاًً على الخير“. صحافي مصري. صحفية مصرية.
المصدر..مجلة الشباب عدد352 بتاريخ 1/ 11 / 2006 انتصار سليمان-مصطفى سليمان