الاسم : ياسين - العراق
العنوان : الإسراء والمعراج : حقيقته وكيفيته
السؤال : يَستبعد كثير من الناس أن يكون ما حدث للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من إسراء ومعراج قد تمَّ بالروح والجسد معًا. فهل مَن يُنكر ذلك يكون كافرًا؟
التاريخ : 30/07/2006
المفتي : الشيخ عطية صقر
الموقع :
mosho.yoo7.comالحل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
معنى الإسراء: السير ليلا، والمقصود به انتقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومعنى المعراج الصعود، والمقصود به الصعود برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المسجد الأقصى إلى السموات العلى .
وقد اختلف العلماء في الإسراء: هل كان بروح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجسدِه أو كان برُوحه فقط؟
والصَّحيح أنه كان بالروح والجسد معًا، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدِّثين والفقهاء
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر-رحمه الله- :
الإسراء مأخوذ من السُّرَى وهو المشْي ليلاً، وإسراء الله تعالى بالنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ معناه نَقلُه ليلاً من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام، وهو ثابت بالقرآن الكريم في قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركْنا حوْله لنُريَه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) ( الإسراء : 1 ) .
كما وردت به الأحاديث الصحيحة، وهى كثيرة مشهورة .
والمعراج مأخوذ من العروج وهو الصُّعود إلى أعلى، وقد ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عُرِج به من الأرض إلى السماء، وذلك بالأحاديث الصحيحة، أو بقوله تعالى ( ولقد رآه ) أي جبريل ( نَزْلةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) ( النجم: 13 ـ 18 ) .
ومِن أجل أن الإسراء ثَبَت بالقرآن قال العلماء: إنَّ مُنْكره كافر؛ ولأن المعراج ثبت بالحديث الذي لم يبْلغ مَبْلغ التَّواتر، ولعدم الدِّلالة القطْعية عليه في آيات سورة النجم قالوا: إنَّ منْكره غير كافر بل هو فاسق .
لكنَّهم اختلفوا في الإسراء: هل كان برُوح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجسدِه أو كان برُوحه فقط؟
والصَّحيح أنه كان بالروح والجسد معًا، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدِّثين والفقهاء والمتكلمين وذلك لما يأتي :
1 ـ أن الله تعالى قال ( أسرى بعبده )، ولفْظ العبد لا يُطْلَق في اللغة على الروح فقط، بل على الإنسان كله: رُوحه وجسده، كما جاء ذلك في مواضعَ كثيرةٍ من القرآن الكريم مثل قوله تعالى ( أرَأيْتَ الذي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى ) ( العلق : 9، 10 )، وقَوله ( وأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوه ) ( الجن : 19) .
2 ـ أن الإسراء بالرُّوح فقط ليس أمرًا خارقًا للعادة بل هو أمر عادي يَحصُل للناس في فترة النوم حيث تكون للرُّوح جوْلات بعيدة في الكُرة الأرضية تَقْضيها بوسائل غير عادية في مدة لا تُحسب بالزمن العادي لحركة الجسم، ولو كان كذلك فلا داعي لأنْ يَجْعله الله تكريمًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويُصدِّر الخبر بقوله ( سبحان ) وما فيه من معنى العظمة والجلال الذي يُقْرَن دائمًا بكل أمر عظيم .
3 ـ أن الله تعالى قال ( ومَا جعلنا الرُّؤْيا التي أرَيْناكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاس ) ( الإسراء : 60 ) أي امتحانًا واختبارًا لهم كيف يُصدِّقونها، وذلك لا يكون إلا إذا تمَّت الرِّحلة بالجسد والرُّوح معًا، فليس في إسراء الروح فقط فتنةٌ ولا غرابة، ولذلك حين سَمِع المُشركون خَبَرَها كذَّبوا أن تتمَّ في ليْلة مع أنَّهم يقْطعون هذه المسافة على ظهور الإبل في عدة أيام .
4 ـ أنَّ الإسراء بالروح والجسد معًا هو فعل الله سبحانه وليس فعل سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والعقل لا يَحيل ذلك على قدرة الله، فهو على كل شيء قدير، وليس هناك ما يَمنع قَبُولَ الخَبَر الموثوق به في حصوله بالرُّوح والجسد معًا .
هذا، ومَن قال: إنَّ هذه الرحلة كانت بالروح فقط استند إلى قوله تعالى ( وما جعلْنا الرؤيا التي أريْناك إلا فتنةً للنَّاس ) ( الإسراء : 60 ) حيث قال: إن الرُّؤيا مصدر رأى الحُلْمِيَّة لا البصرية، فإن مصدر " رأى " البصرية هو رؤية. لكنْ أُجِيبَ على ذلك بأن الرؤيا والرؤية مصدران لرأى البصرية مثل : قُرْبّى وقُرْبة، قال المتنبِّي وهو من كبار الشعراء :
ورؤْياك أحْلى في الجُفون من الغمْض
وإن كان ابن مالك وغيره خطَّأوه في ذلك. لكن ليس كلامهم حُجَّة حتى لو كان كلام المتنبي غير حجة. وقال ابن عباس في تفسير الآية: إنها رؤية عين، كما رواه البخاري .
1 ـ كما استدلَّ القائل بأنَّ الإسراء كان بالرُّوح فقط بقول عائشة رضى الله عنها :
ما فُقِدَ جسده الشريف، لكن رُدَّ هذا بما يأتي :
أن هذا الحديث ليس ثابتًا عنها؛ لأن سندَه فيه انقطاع ، وراوٍ مجهول، وقال ابن دحية: إنه موضوع .
2 ـ أنَّها لم تُحدِّث به عن مشاهدة بل عن سماع؛ لأنها لم تكن قد تزوجته إذ ذاك بل لم تكن ولدت على الخلاف في زمن الإسراء متى كان .
3 ـ أنها كانت تقول: إن النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يَرَ ربَّه رؤيةَ عَيْن، وذلك لاعتقادها أنَّ الإسْراء والمعراج كان بالرُّوح والجَسَد معًا، ولو كان ذلك مَنَامًا أي بالروح فقط لم تُنكرْه وما دامَ الحديث المنسوب إلى عائشة غير صحيح فلا داعي للتَّحايل في تفْسيره بقول بعضهم: إن معنى: ما فُقد جسده الشريف، ما تَركت الروح جسده الشريف والمهمُّ أن الإسراء قد تمَّ. وقد أخبر الله عنه في القرآن الكريم. وهذا هو القدر الواجب اعتقاده، أما أن يكون على كيفية كذا أو كذا فذلك ما لا يتحتَّم اعتقاده، ولكلٍّ أن يختار ما يشاء، مع اعتقاد أن الله على كل شيء قدير، أنَّ رُؤْيا الأنبياء حقٌّ باتِّفاق العلماء. ولا داعي للخلاف في هذه النقطة .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسم : صديق - تونس
العنوان : صلاة النبي بالأنبياء في الإسراء
السؤال : في الإسراء والمعراج صلى النبي (صلى الله عليه وسلم ) بالأنبياء جماعة، فما هذه الصلاة، مع أن الصلاة التي نصليها الآن لم تكن قد فرضت بعد ؟
التاريخ : 28/08/2005
المفتي : الشيخ عطية صقر
الموقع :
mosho.yoo7.comالحل
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
يقول الشيخ عطية صقر (رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف سابقا) في هذه المسألة:
ثبت في صحيح مسلم من طريق ثابت البناني عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) "صلى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين".
كما ثبت أنه صلى بالأنبياء إمامًا [أي بعد صلاة الركعتين] وأنكر حذيفة بن اليمان صلاته (عليه الصلاة والسلام) ببيت المقدس محتجًا بأنه لو صلى فيه؛ لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق، ولكن تعقبه البيهقي وابن كثير بأن المثبت وهم جمهور الصحابة مقدم على النافي.
يقول القسطلاني في كتابه (المواهب اللادنية) وشرحه للزرقاني: اختلف في هذه الصلاة التي صلاها الرسول (عليه الصلاة والسلام) بالأنبياء هل هي فرض أم نفل؟
قال بعض العلماء: إنها فرض بناء على ما قاله النعماني.
وقال البعض: إنها نفل.
وإذا قلنا: إنها فرض؛ فأي صلاة هي؟
قال بعضهم: الأقرب أنها الصبح ويحتمل أن تكون العشاء.
وإنما يتأتى على قول من قال: إنه (صلى الله عليه وسلم ) صلى بهم قبل عروجه إلى السماء.
وفي النعماني إنما يتأتى على أن الإسراء من أول الليل.
لكن قال رواة حديث الإسراء أنه بعد صلاة العشاء.
وأما على قول من قال صلى بهم بعد العروج؛ فتكون الصبح.
والاحتمالان كما قال الشامي: ليس بشيء؛ سواء قلنا: صلى بهم قبل العروج أم بعده؛ لأن أول صلاة صلاها النبي (صلى الله عليه وسلم ) من الخمس مطلقًا الظهر بمكة باتفاق.
ومن حمل الأولية على مكة؛ فعليه الدليل. قال: والذي يظهر أنها كانت من النفل المطلق، أو كانت من الصلاة المفروضة عليه قبل ليلة الإسراء.
وفى فتاوى النووي ما يؤيد الثاني.
بعد هذه أقول:
إن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء، وكانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره.
وأما التي فرضت ليلة الإسراء فهي كونها خمسة فروض بركعاتها المعروفة.
وعليه فيجوز أن تكون صلاة الرسول ببيت المقدس ركعتين تحية للمسجد صلاهما وحده.
والتي صلاها إمامًا بالأنبياء يجوز أن تكون نافلة من صلاة الليل، وقد كانت مشروعة له (صلى الله عليه وسلم ).
وجاء في بعض الروايات أنه (عليه الصلاة والسلام) وجد الأنبياء يصلون عند دخوله المسجد، ولما حان وقت الصلاة أذن مؤذن، ثم أقيمت وقدمه جبريل عليهم بعد أن تبين فضله من واقع ما أثنى به كل على نفسه.
ولكن مثل هذه الروايات لا ينبغي التعويل عليها في صورتها الجزئية بعد أن كرم الله رسوله، وأخذ على الأنبياء الميثاق إن أدركوه أن يؤمنوا به وينصروه.
ومهما يكن من شيء فالخلاف في هذا الموضوع ليست له نتيجة عملية.
والله أعلم .