عدد الرسائل : 211 العمر : 38 رقم العضوية : 60 الاوسمه : تاريخ التسجيل : 28/03/2008
موضوع: النشوز من جانب كلا الزوجين 18.06.08 11:00
النشوز من جانب كلا الزوجين
المكتب العالمي للبحوث هذا النشوز هو النشوز المتبادل بحيث يكون العصيان فيه متبادلاً والكراهية متبادلة وكذلك المعاملة السيئة. وليس هذا النشوز حالة شاذة بل تحدث كثيراً بين زوجين كان زواجهما خطأ في الأصل أو أن يكون كل واحد قد اكتشف في الآخر ما لم يكن يتوقعه، أو طرأت على كل منهما ظروف معينة خاصة جعلته يبتعد عن شريكه ويرى فيه عدواً لايحتمل. قد يكون الإثنان مخطئين أو مصيبين ولكن وَقَعَ الذي وَقَعَ. فما هو الحكم على ذلك؟ الحكم هنا على مرحلتين: مرحلة الوفاق الذاتي وهي عادةً تكون بين الزوجين دون تدخل أحد. فيحاولان بما يستطيعان الوصول إلى مرحلة من الاتفاق أو قاسم مشترك يساعدهما على الاستمرار في حياتهما الزوجية شرط أن تكون هناك رغبة متبادلة في الأعماق أو رغبة من جانب واحد على الأقل، وإلا كان لابدّ من الانتقال إلى المرحلة الثانية العلنية التي هي بيد الحاكم الشرعي أو أهل الإصلاح من المسلمين. وهذه المرحلة تدخل في باب الحلول وليس في باب النشوز. الصلح: الصلح سيد الأحكام في الدين الاسلامي إلا الذي حَرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً. وفيه أمر من الله تعالى في كل ما يتعلق بأمور المسلمين عامة. يقول تعالى في كتابه العزيز: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا أن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون!). في الآيتين الكريمتين نرى الأمر بالاصطلاح والصلح في ثلاثة مواضع وهذا دليل على ما للصلح من دور عظيم في نظر الاسلام. هذا ما يخص الصلح بشكل عام. أما بالنسبة للخلافات التي تحدث بين الزوجين فإن الاسلام لم يهمل هذه الناحية بل أولاها كل عناية وتقدير وجعل الصلح في هذا أمراً واجباً لا مفر منه كخطوة أولى في طريق أي حل آخر. حتى في حالة الطلاق يأمر الاسلام بالصلح وفي هذا المعنى يقول تعالى :لطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان). ويقول أيضاً: (وإذا طلقتم النساء فبلغنَ أجلهنّ فامسكوهنّ بمعروف أو سرحوهنّ بمعروف). في الآيتين الكريمتين يأمر تعالى أن يكون التسريح بإحسان ومعروف أي بالتفاهم والرضى واعطاء كل ذي حق حقه. وهذا هو صلح الفراق. لقد وضع الدين الاسلامي أرقى الأحكام في الزواج والطلاق حتى صار مصدراً من مصادر التشريع عند كثير من الأمم البعيدة عن الاسلام وهي في نفس الوقت من ألدّ أعدائه. ويكون الصلح بين الزوجين على مرحلتين: 1 ـ صلح يقوم به الزوجان بعيدين عن كل تدخل خارجي وذلك حفاظاً على قدسية حياتهما الزوجية وما تحمل من حرمة وسرية لايجوز حتى لأقرب المقربين أن يطلع عليها. يقول تعالى: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو اعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير). ويقول تعالى أيضاً: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً). إن الحكمة من وراء الدعوة إلى هذا الصلح عظيمة فهي قبل كل شيء تعطي الزوجين الفرصة كي يعود كل واحد إلى ربه وضميره قبل تدخل المغرضين والوشاة ثم انها تبقي على طهارة الحياة الزوجية وسريتها. 2 ـ صلح عَلَني يخرج الحكم فيه من يد الزوجين وتكون الكلمة فيه للحاكم الشرعي أو لأهل الصلح من العقلاء. وهذا الصلح يعني أن الأمور قد تعدت واستحكمت أسباب الخلاف إلى درجة لم يعد فيها الزوجان بقادرين على حلّها حلاً مرضياً. يقول تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً). تعتبر هذه المرحلة من الصلح محاولة أخرى لعودة المياه واصلاح ذات البين بين الزوجين. وهي التي تطلق عليها مرحلة التحكيم أو صلح التحكيم. وإذا كان الاسلام لم يعط للمرحلة الأولى من الصلح أي شرط أو حكم ذلك أنه ترك للزوجين حرية التصرف في الوصول إلى صلح عادل فيما بينهما، إلا أنه وضع للمرحلة الثانية الشروط التي تجعله صلحاً قائماً على التحكيم العادل. فما هو التحكيم ومتى يكون وما هي الصفات المطلوبة عند أهل التحكيم وما هو عملهم؟؟؟. كل هذه الأسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة ليكون البحث وافياً وشاملاً. التحكيم في أبسط معنى له، هو لجوء فريقين مختلفين إلى فريق ثالث محايد ليحكم بينهما في موضوع الخلاف. أما بالنسبة للخلافات الزوجية فإن الآية الكريمة: (وإن خفتم شقاق بينهما...). هي حث على الاصلاح والمصالحة وليست تحكيماً بمعناه الشرعي الدقيق أو إصدار أحكام شرعية. لذلك فالتحكيم في الآية الكريمة يعني الصلح، وكذلك الحكم يعني المصلح. ونحن إذ نبحث في الآية على أنها آية تحكيمية فما ذلك إلا من باب التقريب أو التشبيه أو القياس. فمتى يكون التحكيم؟! يلجأ الزوجان عادة إلى التحكيم، أو هكذا يجب، عندما يفشلان بالوصول إلى الاصلاح المنشود ويصبح نشوزهما أو نشوز أحدهما خطيراً إلى درجة تستوجب تدخل الغير. وكم هو مستحب أن يبدأ التحكيم قبل انتشار أخبار الخلاف خارج دائرته البيتية لأن من شأن هذا أن يعقد الأمور ويجعل الحل أكثر صعوبة على أهل التحكيم. والآية ما هي الصفات التي يجب أن تتوفر في الحكم كي يكون أهلاً للقيام بهذه المسؤولية الدقيقة؟! تلك الصفات هي: 1 ـ العدل: هذه الصفة لازمة لكل حكم يطلب منه اعطاء رأي في خلاف أو قضية هي موضوع خصام بين أكثر من طرف. وصفة العدل تعني البعد عن الهوى، لأن الهوى أعمى، أي أن لايكون عنده ميل إلى أحد المتخاصمين وأن لاتكون له منفعة شخصية في هذا الخلاف. وأخيراً فالعدل يعني التجرد والحياد وهذا ما يساعد الحكم على إعطاء الحكم الصحيح وإبداء الرأي الذي يرضي الله ويرضي الطرفين المتنازعين. 2 ـ العلم: ليس القصد بالعلم أن يكون الحكم على درجة عالية بالفقه والشرع إذ ليست القضية معقدة إلى درجة تستحق هذا المستوى العلمي الرفيع. نما القصد أن يكون على درجة من المعرفة بالشرع وبأحكام الدين بما يؤهله للحكم في هذا الخلاف. كطما يجب أن يكون على جانب من المعرفة بالعادات والتقاليد الاسلامية الصحيحة ومن أهل العقل والرأي في العائلة أو العشيرة. كل هذه المميزات تجعل منه حكماً مسموع الكلمة، مهيب الجانب وصاحب الرأي المقبول عند الزوجين المتخاصمين. 3 ـ القرابة: تقول الآية: (... فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها...). إن كلمة (الأهل) واسعة المعنى. فهي تعني العائلة في أضيق حدود العائلة، ثم العشيرة فالقبيلة وقد يتسع معناها فيشمل، من باب المجاز، سكان البلد الواحد أو الطائفة الواحدة. أما معناها حسب ما جاءت في الآية الكريمة فإنها تعني، والله أعلم، أن يكون الحكم من أدنى درجة في القرابة إذا كان ذلك ممكناً. والحكمة من وجود القرابة بالغة ولها أكثر من فائدة في هذا المجال فالقريب يحافظ على كرامة قريبه ولا يعمل على فضح أسراره، كما أنه أدرى الناس بوضع الزوجين وأحوالهما وطباعهما وبالجو العائلي السائد بينهما. ثم هو يجيد الأسلوب الذي يفهمه الزوجان أي أنه يملك إمكانية التفاهم معهما بحيث يعرف من أين يبدأ وكيف يتصرف. ولا ننسى أخيراً أن القرابة تشجع الزوجين على كشف أسرارهما أمامه وكل ما يحيط بخلافهما من خفايا لايجرؤان على البوح بها أمام الحكم الغريب. بعد كل هذا تبقى الإجابة على هذا السؤال: ما هو عمل الحكمين المصلحين؟ إن الآية الكريمة واضحة جداً حيث تقول: (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً). لقد توقفت الآية الكريمة عند الاصلاح بين الزوجين ولم تتطرق إلى شيء آخر، وهذا يعني أن الصلح هو أول عمل يجب أن يقوم به الحكمان. ولكن عليهما قبل طرح فكرة الصلح أن يستعرضا كل أسباب الخلافات القائمة بين الزوجين والاطلاع على أدق الأمور ليتسنى لهما دراستها دراسة واقعية. وهكذا وبعد الإلمام بكل التفاصيل يطرحان فكرة الصلح بين الزوجين بكل إخلاص وصدق. ويبقى الصلح في الاسلام صلحاً من أي نوع كان وتبقى له الكلمة الأولى والمركز المرموق، إذ به تحفظ كرامة البيت وتستمر الحياة الزوجية هانئة سعيدة. -------------------- المصدر : الخلافات الزوجية في نظر الاسلام